شرح مبادئ الأصول لابن بآديس المالكي | إبراهيم بن حسن بن سليمان البلوشي
فوائدُ عِلْمِ الأصولِ عديدةٌ تُثْبِتُ أَهَمِّيَّتَه وضرورةَ دراستِه وتَعَلُّمِه والاطِّلاعِ عليه، والتزوُّدِ بقواعده، والتمرُّسِ بأسلوبه؛ ليَكْتَسِبَ الطالبُ مَلَكةً فقهيةً وعقليةً تُصحِّحُ تفكيرَه، وتُعبِّدُ الطريقَ أمامَه للاستنباط والإدراكِ الصحيح والفهمِ التامِّ؛ ليُصْبِحَ قادرًا على فَهْمِ الأدلَّةِ واستخراجِ الأحكامِ منها، ومُتمكِّنًا مِنْ فَهْمِ مَرامي جُزئيَّات الفقه؛ فالفروعُ لا تُدْرَكُ إلَّا بأصولها، والنتائجُ لا تُعْرَفُ حقائقُها إلَّا بعد تحصيلِ العلمِ بمُقدِّماتِها؛ فمَنْ أَتْقَنَ هذا العِلْمَ واستند إلى قواعده الصحيحةِ أَمْكَنَهُ التوصُّلُ إلى إحكام الأحكام بأَبْلَغِ طريقٍ مع طَرَفٍ مِنْ أصول الدِّين؛ بُغْيَةَ العملِ بتلك الأحكام الشرعية؛ ذلك لأنَّ عِلْمَ أصولِ الفقه إنَّما يُطْلَبُ لفهمِ كلامِ اللهِ تعالى وسُنَّةِ رسولِ الله على مُرادِهما. قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ بعد تَعرُّضِه لدلالات الألفاظ: «ولهذا كان المقصودُ مِنْ أصولِ الفقهِ أَنْ يَفْقَهَ مُرادَ اللهِ ورسولِه بالكتاب والسنَّة» والمُؤلِّفُ قَسَّم رسالتَه إلى أربعةِ أبوابٍ على وجهِ الحصر مِنْ خلالِ التعريف الذي أَوْرَدَهُ لعِلْمِ أصول الفقه: ـ الباب الأوَّل: تَناوَلَ أفعالَ المكلَّفين، وحقيقتُه: أنه تقريرٌ للمحكوم فيه، وهو فِعْلُ المكلَّفِ الذي أعادَهُ في مُقْتَضَياتِ الحكم. ـ الباب الثاني: تَناوَلَ فيه أحكامَ الله تعالى، وبَيَّن فيه الأحكامَ التكليفية والوضعية، وأقامَ الفرقَ بينهما، ثمَّ تَعرَّضَ إلى مُقْتَضَياتِ الحكمِ مُبيِّنًا: الحاكمَ، والمحكومَ فيه، والمحكومَ عليه وهو المكلَّفُ والمُخاطَبُ بالأحكام. ـ الباب الثالث: تَناوَلَ أدلَّةَ الأحكامِ بدءًا بالكتاب، مُوضِّحًا أنه أصلُ الأدلَّة، وعُمْدةُ الشريعةِ، وأوَّلُ مَصادِرِ التشريع، وأنَّ كُلَّها يرجع إليه. ثمَّ بَيَّن الدليلَ الثانيَ: وهو السنَّة، باعتبارِ ذاتها، ثمَّ باعتبارِ علاقتها بالقرآن، وقسَّمها إلى سنَّةٍ مُبيِّنةٍ ومُسْتَقِلَّةٍ، وأخَّر السنَّةَ مِنْ حيث ثبوتُها إلى آخِرِ الرسالةِ في تنبيهٍ ثانٍ. ثمَّ ذَكَرَ الدليلَ الثالث: وهو الإجماع، وبَيَّن حجِّيَّتَه، وقسَّمه إلى: إجماعٍ عمليٍّ وآخَرَ نظريٍّ، واعتبر أنَّ معرفته مُتعذِّرةٌ مع إمكانِ وقوعه؛ لانتشارِ المُجْتهِدين في الآفاق وكثرةِ عدَدِهم، واستثنى مِنْ ذلك إجماعَ الصحابة. ثمَّ تَناوَلَ القياسَ، مُكْتَفِيًا بالتعريف والتمثيل لقياس العِلَّة. ـ الباب الرابع: تَناوَلَ القواعدَ الأصولية، وقَسَّم فيها الأدلَّةَ إلى تفصيليةٍ، وهي آياتُ وأحاديثُ الأحكام، ومَرْجِعُها إلى الكتابِ والسنَّة، وأدلَّةٍ إجماليةٍ، وهي القواعدُ الأصولية، ومَرْجِعُها كُتُبُ الأصول. ثمَّ بيَّن القواعدَ التي تخصُّ النصوصَ القولية مِنَ الكتاب والسنَّة، مُتعرِّضًا إلى القواعد التالية: حَمْل اللفظ، الأمر، النهي، الأخذ بالمأمور به، المفهوم والمنطوق، مُبيِّنًا أنَّ المفهوم على قسمين: مُوافَقةٌ، ومُخالَفةٌ، وقَسَّم مفهومَ المُوافَقة إلى مفهومٍ مُساوٍ وأولويٍّ، وبيَّن أنواعَ مفهوم المُخالَفةِ وشروطَ العملِ به. ثمَّ تَعرَّضَ لقاعدةِ: النصِّ والظاهر والمؤوَّل والمبيَّن والمُجْمَلِ والمبيِّن. وانتقل بعدها إلى قاعدةِ العامِّ وبيَّن صِيَغَه وفُرَقَه، ثمَّ بيَّن التخصيصَ وقِسْمَيْه، وأَعْقَبَهُ بالمطلق والمقيَّد، وقاعدةِ حَمْلِ المطلق على المقيَّد، ثمَّ المُحْكَمِ والمنسوخ والناسخ والنسخ، ثُمَّ وجوه النسخِ وأقسامه، مع بيانِ مَوْرِدِه ومتى يُحْكَمُ بالنسخ. وأخيرًا: تَعرَّضَ للقواعد التي تخصُّ فِعْلَه صلَّى الله عليه وسلَّم وتقريرَه، وذيَّل رسالتَه بخاتمةٍ ذَكَرَ فيها الاجتهادَ والتقليدَ والاتِّباعَ.ومِنَ المُلاحَظات التي على الرسالة: اقتصارُه غالبًا على التعريف مِنْ غيرِ التعرُّض لأدلَّةِ ثبوتِ هذه القواعدِ إلَّا قليلًا، وظهرَتِ اختياراتُه الأصوليَّةُ مُوافِقةً لِما عليه مذهبُ الجمهورِ بما في ذلك مذهب المالكيَّة، إلَّا في مسألةِ معرفة الإجماع، فقَدْ خالَفَ مذهبَ الجمهور. كما أنَّ المُصنِّفَ لم يَتعرَّضْ إلى مَباحِثَ أصوليةٍ كثيرةٍ: كالأدلَّةِ المُخْتلَفِ فيها، والعمومِ العقليِّ والعرفيِّ ونحو ذلك، وكان مُعْظَمُ الأمثلةِ والتعريفات والتقسيمات الواردةِ في مَباحِثِ الإجمال والعموم والمطلق والمقيَّد وغيرِها مأخوذةً ومُقْتَبَسةً مِنْ «مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول» لأبي عبد الله محمَّد بنِ أحمد الشريف التلمسانيِّ المتوفَّى سنة: (٧٧١ﻫ)، وعلى الرسالة مَآخِذُ أخرى عَلَّقْنا عليها في الهامش، وهي قليلةٌ إلى جانِبِ كثيرِ صوابِه، واللهُ يأبى العصمةَ لكتابٍ غيرِ كتابه.

Reviews
There are no reviews yet.