شرح المقدمات في علم التوحيد | الامام المتكلم ابي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي التلمساني
عتبر الإمام السنوسي– رحمه الله-(832هـ/895هـ) إماما عالما عَلَمًا من أئمة أهل السنة والجماعة، فقد كان متبحرا في العلوم الشرعية والعقلية المعتبرة في عصره، وبلغ من الورع والزهد الغاية القصوى، تلقى العلم على مشاهير علماء عصره، وتخرج به العديد من العلماء، وقد ألف تلميذه الشيخ أبو عبد الله محمد بن عمر الملالي مجلدا في مناقبه، وذكر فيه سيرته وما ظهر من كراماته في حياته وبعد مماته: سماه:”المواهب القدوسية في المناقب السنوسية”.
وكتاب شرح المقدمات له؛ يعتبر من أجلّ الكتب في علم التوحيد، بالإضافة إلى باقي كتبه العقدية كأم البراهين أو العقيدة السنوسية (الكبرى وشرحها والوسطى وبسطها والصغرى وصغراها..)، وقد صارت هذه المصنفات مرجعا لطلبة العلوم الشرعية، ومدخلا نافعا لجميع المصنفات العقدية، وتوجه بمؤلفاته لجميع المستويات، سيما للمبتدئين منهم، مبيّنا لهم على مذهب أهل السنة والجماعة ما صعب عليهم من أمور العقيدة والدين، مما جعل تلميذه الملالي يقول فيه:« ولا شك أن الشيخ الولي العارف بالله تعالى سيدي محمد السنوسي- رضي الله تعالى عنه- قد انفرد بمعرفة علم التوحيد في غاية المعرفة، ولم يشاركه فيها أحد، وعقائده المشهورة تُنبئك عن ذلك، ويكفيك في ذلك عقيدته الصغرى التي يتداولها العام والخاص شرقا وغربا، لا يعادلها شيء من عقائد العلماء ولا ممن تقدم ولا ممن تأخر، لما فيها من إدخال جميع عقائد الإيمان تحت كلمتي الشهادة..»
جاء في مقدمة التحقيق: «أما المقدمات وشرحها، فإن هذا الكتاب على صغر حجمه احتوى على درر، وفوائد في غاية اللطافة والنفاسة، ولا يخلو واحد من كتب السنوسي من ذلك، وقد ألفه الإمام السنوسي ليكون ممهدا ومدخلا لدراسة كتبه الأخرى وباقي كتب أصول الدين، وأودع فيه- إضافة إلى ذلك- بعض البحوث اللطيفة، كما في بحثه في تعلقات القدرة، وخلافات الأئمة في ذلك وتوجيهها، وفي التقليد وأسبابه النفسية حيث أبدع في ذكر بعض أسباب الانحراف بعد الهدى عند بعض من تجتاله الشياطين، شياطين الهوى، وما أحسن ما ذكره في مسألة التكفير ودرجات الكافرين، وبيان أقوال العلماء متقدميهم ومتأخريهم في تكفير المبتدعة، وإشارته إلى اختيار عدم التكفير للمخالف في دقيق المسائل النظرية.
و الإمام السنوسي دقيق الملاحظة، فلما نقل عن بعض العلماء أن الإمام الغزالي قد اقترب إلى قول الجاحظ وغيره في القول بنجاة المجتهد مطلقا أصاب أو أخطأ، بيّن أن حقيقة قول الغزالي ليس كذلك وأن كلامه يدور على معنى آخر، وناقش هذه النسبة له، وكذلك فعل لما أشار إلى نقل الإمام السعد عن الجويني والباقلاني وغيرهما أقوالا ظاهرها خلاف قول أهل الحق في مسألة تأثيرة القدرة الحادثة.
والحقيقة أن الكتاب مختصر لطيف منيف في مجموعة من أهم مسائل علم التوحيد، يصح أن يبتدئ طالب العلم بدراسته والتمكن من مباحثه، وسوف يكون ذلك له مفتاحا لغيره من بيوت العلم التي شادها الإمام السنوسي.
وقد اشتمل هذا الكتاب الشريف على مباحث مفيدة لطلبة العلوم الشرعية، فذكر فيه الإمام السنوسي أنواع الأحكام وأقسامها، من الأحكام الشرعية والعادية والعقلية، ولا يخفى على أحد من الدارسين للعلوم مدى أهمية إدراك تلك التقسيمات للأحكام وتعريف كل واحد منها، وإدراك الفرق بين الواجب والمحال والجائز.
ثم عقب ببيان مذاهب الناس في الأفعال، وهي مسألة مهمة من مسائل أصول الدين، وذكر الفرق بين مذهب أهل السنة وغيرهم ممن خالفهم، وذكر فيها القول بأن الإنسان مجبور باطنا مختارا ظاهرا، ولا يخفى على القارئ ما يحتاج إليه هذا القول من الشرح والبيان.
ثم بين رحمه الله أنواع الشرك ومراتب الأحكام فيها ودرجات الانحراف وأسبابها التي تؤدي إليها، وهذا المبحث مبحث عال لا يجده طالب العلم في أغلب الكتب..
ثم ذكر أسباب الكفر وما يفضي إليه، وهو مبحث يحتوي على درر العلوم والفوائد، وبيَّن كيف ينشأ الكفر أو الابتداع ومخالفة الشرع الشريف عن كل سبب من هذه الأسباب، ومنها مخالفة الحكم العقلي وعدم فهم الحكم العادي فهما دقيقا. وبيَّن المراد بالظواهر الشرعية، وكيف أن الشرع لا يدل بذاته على المعاني الباطلة، ولكن الإنسان يتوهم بفهمه الفاسد أن هذه المعاني الظاهرة هي مقصود الشارع، وبيَّن فائدة العلم باللغة العربية والتمكن منها ومدى توقف الفهم الصحيح للشريعة عليها، وما يترتب على إتقانها من تجنب للوقوع في إشكالات عظيمة.
ثم بيَّن أقسام الموجودات بالنسبة للمحل والمخصص، وهو مبحث معين لطالب العلم على فهم قواعد مهمة تساعده بلا شك على فهم أصول علم التوحيد والمباني التي بني عليها.
ثم ختم الكتاب بذكر تعريفات مفيدة لبعض أهم الأصول المذكورة في علم التوحيد، كتعريفات الصفات الإلهية والمصطلحات المستعملة في باب النبوات…» وعند الحديث عن مصنفاته قال المحقق:«[كتاب] المقدمات؛ ولم يذكر الملالي هذا المتن باسمه، وذكره الوادي آشي قائلا: «وضعها مبينة للعقيدة الصغرى وهي تقرب منها في الجرم»وقد شرح المتن إلى جانب الإمام السنوسي الشيخ أبو إسحاق إبراهيم الأندلسي، وسماه: “المواهب الربانية في شرح المقدمات السنوسية”»، وهو في نحو خمس كراريس.
وعليه، فإن متن المقدمات صغير وضعه الإمام السنوسي لطلبة العلوم الشرعية ضمَّن فيه طائفة من العلم تُقدَّمُ عليه ليتمرّن بها المبتدئ على الخوض فيما سواها. وعددُ مقدمات هذا الكتاب ثمانية: الأولى مقدّمة الأحكام، والثانية مقدّمة المذاهب، والثالثة مقدّمة أنواع الشِّرك، والرابعة مقدمة أصول الكفر والبدع، والخامسة مقدّمة الموجودات، والسادسة مقدّمة الممكنات، والسابعة مقدّمة الصفات الأزلية، والثامنة مقدّمة الأمانة في حقّ الرسل عليهم الصلاة والسلام.
Reviews
There are no reviews yet.