شرح بحر العلوم على سلم العلوم في علم المنطق | نظام الدين اللكهنوي الحنفي الماتريدي | محب الله عبد الشكور العثماني الحنفي
نحن اليوم مع كتاب جليل في علم المنطق، «سلم العلوم»، ومع صاحبه المحقق الكبير الشيخ الإمام محب الله البِهَاري الهندي رحمه الله ، يتجلى في هذا الكتاب مظهر من مظاهر عظمة الإسلام، ومدى نصاعة الفكر الإسلامي الأصيل، ومبلغ استقلالية أئمته في التفكير والإبداع، وعدم تبعيتهم لأصحاب المناهج البعيدة عن هدي النبوة، وعدم جمودهم على ما تركه من غبر عبر الزمان، ويُثبت الكتاب كيف أن أهل الإسلام لم يكونوا ذيلا لحضارة اليونان، ولا ترديدا للثقافة الغربية، بل يثبت أن الإسلام كيف لفظَ الفكر اليوناني لفظا قاسيا، ومجه مجا عنيفا.
كما أنه يصور تصويرا واضحا أن متكلمي أهل السنة كيف بارزوا رجالَ كلِّ فنٍّ من تلك الفنون في فنونهم، وأفحموهم وغلبوهم. نعم، إنها حقيقة ساطعة تُرغِم أُنوفَ الحاسدين، وتقطع دابر شبهات الحاقدين، فعلى من يريد الوصول إلى الحق التزامُ طريقٍ تؤديه إليه؛ حتى لا تخطفه رياحُ الشبهات والأوهام، ولا تحول بينه وبين هدفه عقباتٌ نصبَها قُطاع الطريق الأغوام.
فمما يُقرِّب المسافة على باحث الحق، في مجال منهج التفكير والاستدلال، عند أجلة علماء الإسلام هذا الكتابُ الذي بين أيديكم الآن، وهو الكتاب الذي لا يدانيه كتاب في المنطق، في أسلوب عرضه للمسائل، مع جزالة التعبير، ولطف المأخذ، وكثرة الفوائد، ولذة الابتكار. ومن هنا كثرت عليه الشروح والحواشي والتعليقات، كثرةً لم أجد لها نظيرا لأي كتاب في هذا الفن، في طول تاريخه، وطُبِع كثير منها طبعات عدة. وكنا نقرأه مع بعض شروحه في حلقات الدروس المسجدية في «مليبار»، بعد قرائتنا لـ«شرح الشمسية» للقطب الرازي رحمه الله ، إلا أنها لم تكن على مستوى قرائةِ مَن سبقنا من المشايخ، حيث تَدَهْوَرَ النشاط العلمي وطُوي بساطه من تحت الأقدام، على الرغم من اتساع حال المعيشة وتوفُّر أدوات التحصيل.
ومن عجبٍ أن أمر هذا الكتاب لم يشغل أذهانَ العلماء في البلاد العربية، بل منهم من لم يسمع عن هذا الكتاب شيئا، وهم الأكثر، وعندما أتيحت لي جلسات علمية مع بعض فضلاء مصر من شباب هذا الجيل وجدوني أُكَرِّر ذِكرَ هذا الكتاب بإجلال وإكبار، وأشير إلى ميزاته وبعض فوائده، فوجدتهم يحرقهم الشوق إليه وإلى قرائته واقتناء نفائسه. وكنتُ قد عزمت قبلا على خدمته وتقريبه إلى عشاق العلم في العالم العربي، وبدأت في جمع أهم شروحه، وإعادة صفها، وشرح غموضها، وبيان مشكلها؛ رجاء خدمة هذا الدين الحنيف، ورَوْمَ تخليد ذكر أئمته الفضلاء، والكل لابتغاء مرضاة رب العالمين.
Reviews
There are no reviews yet.