نهاية المطلب في دراية المذهب | امام الحرمين ابو المعالي الجويني
أكبر كتاب مطبوع في الفقه الشافعي، مؤلفه أبو المعالي الجويني عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني ركن الدين، الملقب بإمام الحرمين، المتوفى سنة 478هـ، وهو شرح لمختصر المزني، جمع فيه مؤلفه محتوى المذهب الشافعي، بطريق التحقيق فيه، يعد من أهم كتب المذهب، وقد اعتمده فقهاء الشافعية، وأخذوا منه، ووضعوا له المختصرات والشروح.
«نهاية المطلب في دراية المذهب»
والتي تسمى أيضا «المذهب الكبير» هي شرح لمختصر المزني (إسماعيل بن يحيى المزني)، واشتهر عند فقهاء الشافعية أنه (منذ صنف الإمام «نهاية المطلب» لم يشتغل الناس إلا بكلام الإمام)وصرَّح في بداية كتابه بأنه قصد به تحرير المذهب وتنقيحه، كما يدل على ذلك عنوانه «نهاية المطلب في دراية المذهب» فقال في مقدمته : (وأبتهل إلى الله سبحانه وتعالى في تيسير ما هممت بافتتاحه من تهذيب مذهب الإمام الشافعي المطلبي) يقول النووي : (نقل إمام الحرمين هو عمدة المذهب).قال ابن النجار عن «نهاية المطلب» : (إنه يشتمل على أربعين مجلدا) تتجلى أهمة هذا الكتاب كون كثير من الكتب الفقهية للشافعية اعتمدت عليه، فاختصره الغزالي في البسيط، ثم اختصر البسيط في الوسيط، ثم اختصره في الوجيز، ثم شرح الرافعي الوجيز في (فتح العزيز)، ثم اختصر فتح العزيز القزويني في (الحاوي الصغير)، ثم اختصر الحاوي الصغير ابن المقرئ اليمني في (الإرشاد)، ونظم الحاوي الصغير ابن الوردي في (البهجة) التي شرحها شيخ الإسلام زكريا بشرحين كبير وصغير.. وهما من أهم كتب المتأخرىن.. وشرح ابن حجر الهيتمي الإرشاد بشرحين أيضا وهما من أهم كتب المتأخرىن أيضا.. وإنك لتعجب كيف بقي هذا الكنز دفيناً حتى الآن رغم حاجة الأمة إليه ومكانته المرموقة بين كتب المذهب، والتي تنتسب إليه نسبةَ الكواكب إلى القمر المنير ولكن الله جل جلاله ادَّخر هذا الفضل وأخَّره ثم أجراه على يد محقِّقنا الفذِّ ودارنا المتميزة ولله الحمد ؛ وذلك الفضلُ من الله ؛ ﴿ قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ﴾ من غير سبق تصميمٍ من محقِّقنا – كما سترى في مقدمة التحقيق – أراد الله عزَّ وجلَّ لهذا المحقق الكبير أن يتَّجه نحو خدمة إمام الحرمين الجويني وكتبِه التي كانت مطمورةً ؛ كالكنوز العتيقة التي تنتظر من يستخرجها ويمسح الغبار عنها حتى تصير في أبهى محاسنها، ويتحف بها أولي المعرفة، ويسرَّ به مكتبة الإمام الشافعي. كتابٌ نفيسٌ نادرٌ غالٍ، ومؤلفٌ إمامٌ مجتهدٌ مبدعٌ، ومحققٌ خبيرٌ عريقٌ غوَّاصٌ، ومنهج تحقيق غايةٌ في الدقة والكمال. وهو يبرز لأول مرة إلى عالم الطباعة الرحيب بعد ما يقارب نحو ألف سنة على تأليفه، وتكتحل أعين الفقهاء بمباحثه، بعد طول انتظار. فطوبى لمن حقق، وطوبى لمن نشر ودقق، وهنيئاً للجميع بما حازوه من شرف الخدمة للفقه الشرعيّ. نفعنا الله وإياكم وكافة المسلمين، ووفقنا لخدمة دينه، إنه سميع قريب
عن الكتاب
أما الكتاب :فذخيرةٌ ثمينةٌ من ذخائر تراثنا الفقهي، وهو من أمَّات كتب الشافعيَّة الكبار ؛ يحوي تقرير القواعد، وتحرير الضوابط والمقاصد، وتبيين مآخذ الفروع، وهو خلاصة مذهب الشافعية، وخلاصة حياة إمام الحرمين وفكره ؛ كما جَلَّى ذلك عن الكتاب بقوله : (نتيجةُ عمري، وثمرةُ فكري في دهري). قال عنه المؤرخ الكبير ابن عساكر في « تبيين كذب المفتري » : (ما صُنِّف في الإسلام مثله). واعتبره الإمام النووي في « المجموع » أحد كتب أربعة تعدُّ أساساً في المذهب. وقال الإمام ابن حجر في « التحفة » : (إنه منذ صنف الإمام كتابه « النهاية » لم يشتغل الناس إلا بكلام الإمام) ؛ وذلك لأن الكتب المعتمدة التي ألفت بعد إنما استمدت منه واعتمدت عليه أصلاً. وهذا الكتاب وإن كان على « مختصر المزني » إلا أنه لم ينهج فيه منهج الشرح المكرر، وإنما كانت غايته تهذيب المذهب وتقعيده، وتأصيل الأبواب والفصول ووضع الضوابط ؛ كما قال : (فإن غرضي الأظهر في وضع هذا الكتاب : التنبيه على قواعد الأحكام ومثاراتها ؛ فإن صور الأحكام والمسائل فيها غير معدومة في المصنفات، فهذا أصل الباب ومنه تتشعب المسائل).
وقت تأليفه
يبدو أن الإمام الجويني ابتدأ تأليف الكتاب في أواخر سني حياته -أو تحديدا في آخر عشرين سنة– فقد جمعه بمكة المكرمة، وأتمه بنيسابور.
قالوا عن كتاب ” النهاية
قال ابن خلكان في ” الوفيات” 3/168 : ” كتاب ” نهاية المطلب في دراية المذهب ” الذي ما صنف في الإسلام مثله. وقال الذهبي في ” السير ” 18/478 : “كتاب ” نهاية المطلب في المذهب “، ثمانية أسفار”. قال ابن النجار : إنه يشتمل على : أربعين مجلدا، ثم لخصه، ولم يتم وقال الصفدي في ” الوافي بالوفيات ” : ” له كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب في عشرين مجلدة. وهو كتاب جليل ما في المذهب مثله، وفيه إشكالات لم تنحل “.
مؤلف الكتاب
هو إمام عصره ونادرة دهره ؛ كما وصفه الحافظ الجرجاني. وقال عنه العلامة تاج الدين السبكي : (إمام الأئمة على الإطلاق).وإذا أطلق لفظ الإمام في فقه الشافعية.. فلا إمام غيره، ولا ينصرف بهذا الإطلاق إلى سواه ؛ فهو المجتهد ابن المجتهد كما قال الحافظ القزويني. ومما تجدر الإشارة إليه : أنَّ إمام الحرمين مستقل في تفكيره وتقريره ؛ فيحتاج من محققه إلى فهمٍ دقيقٍ، وتأملٍ عميقٍ، وصبرٍ جميلٍ، ومراجعةٍ طويلةٍ حتى يفهم المقصد.
أبرز سمات منهج المؤلف
شرح إمام الحرمين في كتابه هذا مختصر المزني، فالمختصر عمدته، وعلى سننه وترتيبه سار.
تناول الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والقياس، مع ذكر وجوه الاستدلال.
يعتبر الكتاب بحق موسوعة فقهية، فقد جمع فيه الجويني اقوال ائمة المذهب ورجح وصحح،
وكذا جمع فيه اقوال المذاهب الأخرى وناقش أقوالهم، وأدلتهم. يعتبر الكتاب من أغنى كتب المتقدمين بالفروع، فقد توسع فيه المصنف، حتى صار مرجعا لا يستغني عنه من جاء بعده، بل قد صار عند كثير من أئمة المذهب المرجع الذي حلّ محل ما سبقه.
يجد فيه الباحث دوحة لغوية غنّاء، فقد أكثر فيه الجويني من الاستدلالات والشواهد اللغوية.
لم يميز الجويني فيه بين مراتب الأحاديث النبوية الشريفة، صحة وضعفا، وهذا المأخذ لا ينطبق على كتاب ” النهاية ” فحسب، بل يبدو أن بعض علماء المذهب لم تكن لهم عناية كبيرة في الحديث الشريف وتمييز صحيحه من ضعيفه.